من أعماق البحر المضطرب إلى المجد الأولمبي: قصة ملهمة للسباحة السورية يسرى مارديني




في وطن مزقته آثار الحرب حيث تتناثر فيه الآمال وتتحطم الأحلام، من السهل أن نفقد الأمل. ومع ذلك، في ظل الفوضى واليأس، تظهر قصة تتجاوز الحدود وتتحدى كل الظروف.

 هي قصة مذهلة عن فتاة سورية تدعى يسرى مارديني وصفتها إحدى الصحف المرموقة بصاحبة أكثر القصص روعة وغرابة، وأصبحت رمزاً للأمل والإلهام ليس فقط في وطنها، ولكن للعالم بأسره، واليوم نروي قصتها كيف تحولت من لاجئة إلى سباحة أولمبية. 

 


أجنحة الأمل:

بدأت يسرى السباحة عندما كان عمرها خمس سنوات، وكان والدها محمد مارديني مدربها هي وأختها سارة. واظبت يسرى على التدرب والتزمت بكل ملاحظات والدها الذي كان فخوراً بابنتيه ويتطلع دائماً لفوز إحداهما في الأولمبياد وكان يقول لهما: "لا يهمني ما يقوله الناس ولا يهمني أن تحصلا على الدعم من أحد، فأنا أدعمكما وسأكون إلى جانبكما دوماً".

قبل انتشار الحرب في سورية كانت يسرى سباحة ماهرة وواعدة في سن ال 14 عاماً حيث مثلت بلدها في بطولة العالم للسباحة في 2012. لكن مع بدء الحرب التي دارات رحاها أعواماً أدركت عائلة مارديني أنه لا وجود لأي مستقبل للأختين وأن الأمل بعودة الاستقرار ثانية إلى البلاد سيستغرق وقتاً طويلاً خاصة أن لا أحد بمقدوره معرفة موعد انتهاءها، فقررت العائلة أن تسمح بذهاب يسرى وسارة إلى ألمانيا طلباً للجوء الإنساني وبعدها تلحق بقية العائلة بهما، وبعد أربع سنوات من اندلاع الحرب هاجرت يسرى وشقيقتها سارة إلى لبنان ومنها إلى تركيا، قبل أن تبدأ الرحلة الأكثر رعباً وإثارة وهي عبور بحر إيجة للوصول إلى أوروبا.



الهروب الصعب:

 تحملت يسرى وأختها سارة كل المشقات التي اعترضتهما خلال عبورهما من سورية إلى تركيا، ولكن الاختبار الأصعب كان عبور بحر إيجة بقارب صغير يتسع لسبع أشخاص فقط، ولكن بسبب طمع المهربين وعدم اكتراثهم لسلامة اللاجئين قاموا بوضع حمولة زائدة في القارب فوصل عددهم للعشرين شخصاً، وبعد انطلاقهم بقلب البحر وبمرور عشرين دقيقة توقف المحرك عن العمل وهنا بدء الرعب الحقيقي من الموت غرقاً بقلب البحر.

انتشر الذعر فيما بينهم وكان هناك طفل صغير من ضمن اللاجئين يبلغ من العمر أربع سنوات كان خائفاً هو الآخر، ولكنه لم يكن يفهم حقيقة ما يحصل، ولكن وجوده بينهم مد يسرى بالشجاعة لمنع غرق القارب مهما حصل حيث قالت في إحدى مقابلاتها: " كان اليأس يتسرب إلينا فنحن كنا نرى الجزيرة ولا نستطيع الوصول إليها، ولكن ما أثر بي وزاد من تصميمي لبلوغ اليابسة وجود طفل صغير معنا على متن القارب، فقلت لنفسي بأنني لن أسمح بحصول أي مكروه لهذا الطفل مهما حصل".


ونتيجة الحمولة الزائدة توقف المحرك عن العمل وبدأ الماء يغمر القارب، فقفزت سارة في الماء وتبعتها يسرى لتخفيف الحمولة ومنعاً لغرق القارب، ونزل معهما شاب آخر وبقوا في الماء لمدة ثلاث ساعات حتى أدركوا اليابسة، واعتقدوا أنهم وصلوا بر الأمان وشط السلامة ولم يدركوا أنهم سيواجهون المزيد من المشقات حتى يصلوا إلى وجهتهم المطلوبة.
 

 


 

من لاجئة إلى سباحة أولمبية:

استمرت الأختان في المضي قدماً ووصلتا إلى برلين حيث رتبتا حياتهما من جديد وأقامتا في مخيم للاجئين لمدة ثلاثة أشهر وبدأتا بتعلم اللغة الألمانية، واستأنفت يسرى التدريب في مسبح محلي حالمة بالمشاركة في الأولمبياد، وتحقق ذلك في عام 2016 بأن شاركت إلى جانب الرياضيين العشر المشاركين في فريق اللاجئين في أولمبياد ريو دي جانيرو في سباق 100 متر فراشة و100 متر سباحة حرة.


قالت يسرى لحظة دخولها برفقة فريق اللاجئين حفل الافتتاح في ريو: "وقف الملعب بأكمله. كان أمراً لا يصدق. هي لحظة لا تضاهيها أي محطة أخرى في حياتي".


بعد مشاركتها بالأولمبياد عينتها المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سفيرة للنوايا الحسنة، ومثلت المفوضية في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في عام 2017، وشاركت قصتها وخاطبت زعماء العالم وتم تكريمها بجوائز عديدة وهي مصممة على مواصلة دفاعها عن قضية اللاجئين وتركيز اهتمام العالم عليهم وعلى الظلم الذي يتعرضون له.


وتقول يسرى: "أنا أتدرب منذ دورة ألعاب ريو، ولكنني أيضاً أحاول القيام بشيء لمساعدة اللاجئين في كل أنحاء العالم، فالسباحة هي أولى أولوياتي، يليها التحدث عن اللاجئين والدفاع عنهم ومساعدتهم".



مصدر إلهام للأجيال القادمة:

يسرى مارديني مثال قوي لصمود اللاجئين وقدرتهم على الاندماج. أثبتت لنا بأنه لا يوجد عقبة لا يمكن التغلب عليها إذا ما تمت مواجهتها بإصرار وإيمان ثابت بالذات، ونجحت بترك بصمة مميزة في سجلات التاريخ ليس فقط كبطلة أولمبية، ولكن أيضاً كشعلة أمل وإلهام لنا جميعاً.

 رويت قصتها في Good Night stories for Rebel Girls

 لإلينا فافيلي وفرانشيسكا كافالو وهي مجموعتين قصصيتين للأطفال، ومنحت جائزتي

 Bambi وUnsung Hero.


في عام 2018 أصدرت كتاباً تروي فيه قصتها وليس هذه فحسب، بل أنتجت منصة نتفليكس (
Netflix 

 فيلم عن حياتها ورحلتها مع أختها من دمشق إلى برلين تحت عنوان "The Swimmers" وعرض في عام 2022.
 

وتدرس يسرى الآن الإخراج والإنتاج في جامعة بلوس أنجلوس إلى جانب متابعتها عملها كسباحة ومدافعة عن اللاجئين.

 


google-playkhamsatmostaqltradent